
الشعر العربي كلام منظوم ونقصد بالمنظوم نظام متسلسل موزون وفق إيقاعات لفظية معروفة وقد شبهت بنظام القلادة أو العقد ويختلف عن الكلام المنثور لأنه يعتمد على إيقاع لفظي منتظم وموزون وهو يشبه نظام الموسيقى ويسمى العروض الشعري (التفعيلة) يكون مقفى أي أن آخر كلمة في البيت الشعري تنتهي بحرف رويٍ واحد
وقد خُص النظم بهذه الصفة لإنها تُطرب الأسماع لما فيها من ذائقة لطيفة لذلك يسعى عشاق الشعر إلى تعلم فنون النظم من عروض وقافية وتعلم ودراسة كتب اللغة والنحو والصرف والبلاغة، وعلى الشاعر الذي يريد التبحر في الشعر أن يقرأ دواوين الشعر العربي ويطلع على ما نظمه الشعراء الكبار والتعرف على كيفية نظم القصائد وكيف يستهلون قصائدهم بكل براعة واقتدار ومعرفة أغراض الشعر العربي وكيفية نسج الشطر، وهذه العلوم هي أدوات الشاعر التي تمكنه من إجادة صنعة الشعر وبدونها لا يمكنه أن يبحر في عالم الشعر ولا يخوض غمارة
وإذا رافقت هذه الأدوات التي ذكرنا الموهبة الصافية وصحة الطبع والذائقة السليمة فسوف يكون الشعر جميلا ورقيقا بعيدا عن التكلف والشذوذ والاضطراب.
:قال محمد بن أحمد في كتابه عيار الشعر
وللشعر أدوات يجب إعدادها قبل مراسه وتكلف نظمه. فمن تعصت عليه أداة من أدواته لم يكمل له ما تكلفه منه، وبان الخلل فيما ينظمه، ولحقته العيوب من كل جهة
فمنها: التوسع في علم اللغة، والبراعة في فهم الإعراب، والرواية لفنون الآداب، والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم، ومناقبهم ومثالبهم، والوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر، والتصرف في معانيه، في كل فن قالته العرب فيه، وسلوك مناهجها في صفاتها ومخاطباتها وحكاياتها وأمثالها، والسنن المستدلة منها، وتعريضُها، وإطنابها وتقصيرها، وإطالتها وإيجازها، ولطفها وخلابتها، وعذوبة ألفاظها، وجزالة معانيها وحسن مبانيها، وحلاوة مقاطعها، وإيفاء كل معنى حظه من العبارة، وإلباسه ما يشاكله من الألفاظ حتى يبرز في أحسن زيٍّ وأبهى صورة.
:وقال قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر
.إنه لما كان الشعر على ما قلناه لفظاً موزوناً مقفى يدل على معنى
:ولما كان هذا الحد مأخوذاً من جنس الشعر العام يتحصل لنا أربعة أقسام عند التأليف بين مفردات التعريف
ائتلاف اللفظ مع المعنى
وائتلاف اللفظ مع الوزن
وائتلاف المعنى مع الوزن
.وائتلاف المعنى مع القافية
قال ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة في محاسن الشعر وآدابه:
طبقات الشعراء أربع: جاهلي قديم، ومخضرمٌ، وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام، وإسلامي، ومحدث. ثم صار المحدثون طبقات: أولى وثانية على التدريج إلى وقتنا هذا.
وفي أوصاف الشعراء أنشد بعض العلماء ولم يذكر قائله:
الشعراء فاعلمن أربعة —— فشاعرٌ لا يُرتجى لمنفعة
وشاعرٌ يُنشد وسط المجمعة —– وشاعر آخر لا يجرى معه
وشاعر يقال خمر في دعه
:وقال قدامة بن جعفر في نعت اللفظ
.أن يكون سمحاً، سهل مخارج الحروف من مواضعها، عليه رونق الفصاحة، مع الخلو من البشاعة
:قال النابغة الذبياني
وبِمُقَلتَيْ حَوْرَاءَ تَحْسِبُ طَرْفَها = وَسْنَانَ، حُرَّةِ مُسْتَهَلِّ الأَدْمُعُ
وإِذا تُنَازِعُكَ الحدِيثَ رأَيتَها = حسناً تَبَسُّمُها، لذيذَ المَكْرَعِ
بِغَرِيضِ ساريةٍ أَدَرَّتْهُ الصَّبا = مِن ماءٍ أسْجَرَ طَيِّبِ المُسْتَنْقَعِ
:وقال أبو العباس ثعلب في كتابه قواعد الشعر
لطافة المعنى: هو الدلالة بالتعريض على التصريح
:كقول امرئ القيس
أمَرْخٌ خِيَامُهُمُ أمْ عُشُرْ … أمِ القَلبُ في إثرِهِمْ مُنْحَدِرْ
وَفِيمَنْ أقَامَ مِنَ الحَيِّ هِرْ … أمِ الظّاعِنُونَ بهَا في الشُّطُرْ
وَهِرِّ تَصِيدُ قُلُوبَ الرّجَالِ … وَأفلَتَ مِنهَا ابنُ عَمرٍو حُجُرْ
رَمَتْني بسَهْمٍ أصَابَ الفُؤادَ … غَدَاة َ الرّحِيلِ فَلَمْ أنْتَصِرْ
:وقال ضياء الدين بن الأثير في كتابه كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب
. والشعر: قول موزونٌ مقفى، دالٌ على معنى، مفتقر الى نيةٍ
.وينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ: جيدٌ ومتوسطٌ وردئٌ
.فالجيد ما كانت ألفاظُهُ حلوة، ومخارجه سهلة، وقوافيه سلسلة مألوفة، ووزنه حسناً تقبله النفس. سالماً من الزحاف
.واعلم أن اللفظ كالصورة، والمعنى كالروح، فان اتفقا وقع الكمال، وإن اختلفا وقع النقص
.وأحسن الألفاظ ثلاثة: التطبيق والتجنيس والمقابلة
.وأحسن المعاني ثلاثة: الاستعارة والتشبيه والمثل
.فعليك بها على سبيل الاقتصاد
مطلع القصيدة:
وقد اهتم الشعراء بمطالعهم الاستهلالية اهتماما كبيرا وبذلوا غاية الجهد في اتقانها لما لها من تأثير في النفس ، وتجلب انتباه السامع إلى التركيز والإصغاء
قال الدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه أسس النقد الأدبي عند العرب:
وقبل النقاد من المطالع ما كان بيناً واضحاً لا غموض فيه، سهل المأخذ، لا تعقيد في تركيبه ولا صعوبة في فهم معناه.
:وضربوا للمطالع الجيدة أمثلة كثيرة ، منها قول النابغة
كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِبِ — وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ
تَطاوَلَ حَتّى قُلتُ لَيسَ بِمُنقَضٍ — وَلَيسَ الَّذي يَرعى النُجومَ بِآئِبِ
وعلى الشاعر أن يحيط إحاطة تامة بكل ما ذكرنا ويضبط الكتابة العروضية ويتعلم تقطيع البيت الشعري لكي يتمكن من ضبط تفعيلاته مع البحر الذي يختاره ويأتي الوزن كاملا لا كسر فيه فيكون شعره جيداً تتقبله الأسماع
:وخير مثال على ذلك ما نظمه الشاعر لسان الدين ابن الخطيب
في لَيالٍ كتَمَتْ سرَّ الهَوى —– بالدُّجَى لوْلا شُموسُ الغُرَرِ
مالَ نجْمُ الكأسِ فيها وهَوى —– مُسْتَقيمَ السّيْرِ سعْدَ الأثَرِ
وطَرٌ ما فيهِ منْ عيْبٍ سَوَى —– أنّهُ مرّ كلَمْحِ البصَرِ
بقلم علي محمد العبيدي –