
موريتانيا القطر العربي الذي يقع في أقصى المغرب وتبلغ مساحته 1/300/700كم تعيش على ترابه قبائل عربية مختلفة الأصول، ويطلق عليه بلاد شنقيطَ) وعلى أهله (الشناقطة) عرفتهم عن قرب أثناء تواجدي بين ظهرانيهم عندما انتُدبتُ لتدريس الأدب العربي في معهد تكوين الأساتذة بنواكشوط العاصمة أواسط سبعينات القرن الماضي، وهو حلقة الوصل بين أفريقيا العربية وأفريقيا السوداء كونه يحادد جمهورية مالي والسنغال وله ساحل على المحيط الأطلسي بطول ألف كم، يحده من الشمال الشرقي الجزائر، ومن الشمال الغربي المغرب ، ومن الشرق مالي ومن الجنوب، السينغال حيث يفصل بينهما نهر السنغال. عشت فيها سنوات ثلاثاً قبل أن تغزوها الحضارة الغربية، وتعرفت على شعب يمسك بدينه ولغته بيد قوية كانت عصية على الأستعمار الذي حاول انتزاع تلك الثقافة، يعتزون بعروبتهم والإنتماء اليها ويرفضون بشدة كل من يشكك بذلك الإنتماء ويقول شاعرهم القديم محمد فال بن العينين: إنا “بني حسن” دلت فصاحتنا… أنا إلـى الـعـرب الـعـربـاء نــــنـتـسـبُ إن لـم تـقـم بـيـنـات أننا عرب.. فــفـي اللـــسان بـيــان أنــنا عـربُ ويقول آخر: يا قائلا طاعنا في أننا عربٌ … قد كذبتك لنا لسن وألوانُ وسمُ العروبة بادٍ في شمائلنا… وفي أوائلنا عزٌ وإيمانُ آساد حميرَ والأبطالُ من مضرٍ … حمر السيوفِ فما ذلوا ولا هانوا ويقول الشاعر أحمدو ولد عبدالله الحسني: لنا العربيةُ الفصحى وإنا .. أعمُّ العالمينَ بها انتفاعا فمرضعنا الصغير بها يناغي .. ومرضعه تُكورها قناعا موريتانيا أو شنقيطَ التي تتوسد رمالها على شواطئ الأطلسي، شعبها أصيل يحمل قيم العروبة ويعض بالنواجذ عليها، تنتشر على مساحته الصحراوية خيم البدو ومعها المدارس المتنقلة التي يطلق عليها إسم المحاظر يتعلم فيه الصبية من بنين وبنات علوم القرآن واللغة، وهو الشعب الوحيد الذي تعلم رغم قساوة الصحراء كي يبقى مرتبطاً بماضيه العربي الأسلامي، ويصدق هذا القول على زمن يمتد الى مئات السنين ، لقد تعلم النساء والرجال في هذه الصحراء المترامية الأطراف على أيدي مشايخ وعلماء في علوم القران واللغة يُطلق على و احدهم أسم المرابط) في مدارس ليس لها جدران ولا غرف مكيفةوإنما هي في الهواء الطلق أو خيمة متواضعة، فكانت مراكز اشعاع علمي في زمن يعاني الملايين في عموم الأرض العربية من الجهل والأمية، وقد تخرج من تلك المحاظر عالمات وعلماء مارسوا تعليم أبناء جلدتهم القران والحديث والشعر والبلاغة، وكل ذلك رافق أجدادهم عبر تلك الأزمان الموغلة في القدم، وبعد الاستقلال في مطلع ستينات القرن الماضي، بدأت حضارة الغرب ووسائل التقنية الحديثة مابعد الثورة الصناعية تتسلل الى هذا البلد العريق ، وتواصل شبابه مع العالم وخرج جيل من هؤلاء الشباب الى أوربا وبلدان العالم العربي طلباً للعلم وتفجروا وطنية وحباً لوطنهم وأمتهم وشغلتهم قضية فلسطين وبرز فيهم شعراء كبار وكتّاب نشروا الوعي في هذا المجتمع البدوي المتحول حديثا الى التحضر والأستقرار ومنهم الشعراء محمد سالم ولد عدود والخليل ولد انحوي والدكتور محمد المختار ولد إبا وفاضل أمين وجمال ولد الحسن ومحمد الحافظ بن احمدو ومحمدي بن القاضي وعشرات غيرهم ممن ذكرتهم في كتابي (موريتانيا موطن الشعر والفصاحة) الصادر عام 2012 بطبعته الأولى ، 2020 بطبعته الثانية ..واليوم وجدت وقرأت لموريتانيين يتسيدون مراكز ثقافية وأعلامية مهمة في الشرق والغرب وأساتذة في جامعات متعددة من العالم ، وفي نفس الوقت يتمسكون بنقاء بداوتهم وصفاء صحاريهم ، من خلال كتاباتهم شعراً ونثراً ترتوي أغصانهما من شجرة الماضي وشنقيط التي وصفها العديد من الذين كتبوا عنها : بأنها بلد المليون شاعر
بقلم موفق ألعاني-