
…القِصَّةُ هي عبارة عن حكاية مكتوبة طويَلةٌ تُستمَدُّ من الخيال أَو الواقع أو منهما معاً، وتبنى على قواعد معيَّنة من الفن الأدبي والجمع : قِصَصٌ
.وقد جائت كلمة القصة من القص والاقتطاع ومنها جاء أسم القاصُّ وهو الذي يَقُصُّ القَصَصَ لإِتْباعه خبراً بعد خبر وسَوْقِه الكلامَ سوقاً
…والقصة القصيرة هي عمل فني يقوم به الكاتب الغرض منه التعبير الأدبي بطريقة فنية تجلب اهتمام القارئ أو من لديه ولع في متابعة هذا النوع من الادب، تكون ذات محتوى فكري حسي ومعنوي ونظام هيكلي يميزها عن باقي مجالات الأدب وترسم مكوناتها من الأفكار وصياغتها ومضامينها وعلاجها بطريقة دقيقة يتخللها عنصري الإثارة والتشويق ويتم ترتيبها وتنسيقها شكلا وصياغة في إطارٍ معين
…والفن القصصي هو من سمات الأدب العربي عبر التاريخ ولأهمية هذا الفن وعمق جذوره الضاربة في التاريخ جاء القصص القرآني موفقا لما ورد في ثقافة وتراث العرب
…فقد ورد في القرآن الكريم عدداً غير قليل من القصص التي تحمل في طياتها الكثير من العبر وتغلب الحكمة وصور التأمل والتفكر عليها فكانت عظيمة الفائدة ثابتة الأثر، ولها وقع في نفس كل من يستمع لها، مثل قصة أصحاب الكهف وقصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون وقصة أصحاب الفيل وغيرها كثير
…وقد نشطت كتابة القصة في الأدب العربي في عصر صدر الإسلام وما بعده بصور متعددة وطرق فنية مختلفة كان لها كبير الأثر في ثقافة المجتمع العربي ومن بين هذه الكتب التي اهتمت في هذا الجانب الحيوي مقامات الحريري ومقامات الهمذاني ورسالة الغفران للمعري ورسالة الطير للغزالي وبدائع الزهور لابن اياس والفرج بعد الشدة للتنوخي والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وهو من علماء القرن الثالث الهجري وكتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقّريّ التلمساني وكتاب الأغاني لابي الفرج الأصفهاني وغيرها كثير فهي تمثل ثروة هائلة من القصص القصيرة وركيزة مهمة في ثقافة المجتمع العربي الذي يحمل كل صفات الحضارة والانسانية التي أنارت سبل وطرق العلوم والتطور لكل أمم وحضارات الأرض عبر التاريخ
…وفي القرن الرابع عشر الميلادي انتبه العلماء والفلاسفة في أوربا الى الفراغ الكبير في ثقافتهم حيث أن القصة عندهم في ذلك الوقت فن هزيل ولا قيمة له، فعمدوا إلى نقل هذا الفن إلى أوروبا وتأثر به عشرات الكتاب الذين تلقفوه واستمروا بتطويره ونسبوه الى أنفسهم، ولكن الحقيقة مثل شعاع الشمس لا تحجب بغربال
…إن الرغبة الصادقة لأي إنسان تجعله مجيدا لأي عمل يريد القيام به وكتابة القصة القصيرة من العلوم التي تتطلب من الكاتب أن يسعى لكي يحصل على المعرفة من خلال الدراسة والبحث في مجال القصة حتى يكون مبدعا فيها
…وهذا يتطلب جهداً كبيراً في أن تطرق جميع أبواب العلوم وأن تمتلك ناصيتها
…ويجب أن يكون طموحا ويمتلك الحافزِ لبلوغ القوَّة بكافة أنواعها من أجل تحقيق الهدف من الكتابة وأن يصبر على ما قد يواجهه من عقبات وأن ينمي مداركه التي تعطيه قدرة التفاعل مع العالم الخارجي
…لأن مهمة القاص الاساسية تنحصر بجلب فكر القارئ من عالمه الحقيقي الى عالم القصة الخيالي بحيث يتمكن من الاستحواذ عليه فكريا وذهنيا وعاطفيا ويتمكن من دمجه تماماً في حلقة التفاعل من جهة الشخصيات والأحداث الدائرة في عالم القصة وهو ما نسميه عامل الجذب الذاتي
…لذلك يقع على عاتق الكاتب مهمة رسم الإيقاع الفني الذي يبتكره للقصة من أجل أن يجعل عملية انسجام وتناغم في العبارات والجمل بحيث لا تتقاطع فيما بينها ولا تتنافر من بداية القصة وحتى نهايتها، ويكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بمضمون القصة ويتحرك مع حركة الأحداث صعودا ونزولا كأنه يسير معها في مسار واحد وإذا ما زل الكاتب في قلمه بعيداً أو كسر جزئية من جزئياته فسوف يختل النص ويتشتت نظامه وبالتالي تشوش فكر القارئ ويضيع التناسق ويصبح النص هزيلا مفككا لا قيمة له
…فعلينا الاهتمام بأدب القصة القصيرة لأنه له بالغ الأهمية في ثقافتنا العربية ويلعب دورا فاعلا في تنشيط المدارك وتوسيع النظرة الإنسانية والفكرية إلى العالم وتصنع جيلا مثقفا يستطيع أن يفكر ويتعامل مع الحياة وفق الطرق العلمية والأخلاقية التي ترسم منهج الحياة المنظمة والسليمة التي تخضع لموازين القيم الإنسانية النبيلة بكل إيجابية وحيوية ونشاط
:المصادر والمراجع
القرآن الكريم، تفسير ابن كثير، قصص الأنبياء لابن كثير، قاموس لسان العرب لابن منظور، قاموس اللغة العربية المعاصرة، بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس، الفرج بعد الشدة للتنوخي، العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، فن القصة الدكتور محمد يوسف نجم، فن كتابة القصة فؤاد قنديل، كيف تكتب القصة الدكتور عبد العزيز شرف، كتابة القصة القصيرة ولسن ثورنلي ترجمة مانع حماد الجهني
بقلم علي محمد العبيدي –