
عند ذكر كلمة “المهجر” باللغة العربية يوجد احتمال بأن تخطر دلالات مختلفة على بال الناطقين بالعربية. يدل المعنى الأساسي للمهجر على المكان الذي يسافر إليه وربما يستقر فيه ناس من بلد آخر. هذا المعنى المباشر يأتي من أصل الكلمة كاسم مكان من ناحية قواعد العربية. لكن هذا المعنى المباشر لا يضم الدلالات الأخرى والمرتبطة بحقبة معينة ومكان معين بالإضافة إلى المعاني الأدبية المتعلّقة بذكر كلمة المهجر. أصبح كلمة المهجر تلتصق بهجرة الجالية العربية إلى أمريكا الشمالية والجنوبية في آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. زد على ذلك أن كلمة المهجر صارت معروفة عند محبي الأدب العربي كمرحلة أدبية تتميز بابتكار الشعر الحر الذي لا يتقيّد بالعروض والنظم اللذين يوظَّفان في القصائد الكلاسيكية. بلا شك كلمة المهجر مفعمة بدلالات مختلفة وربما ذكريات من دروس مدرسية في قراءة أعمال أدبائها، مثل جبران خليل جبران،
.أمين الريحاني أوميخائيل نعيمة
ذاع صيت شعراء المهجر وكتابه بدعم مؤسسات الصحافة العربية في أمريكا الشمالية والجنوبية وقتئذ. لذلك عندما تصفحتُ أول طبعة من هذه الجريدة العربية التي تقرأونها حاليا باسم “أصدقاء، سلام، وملاذ آمن” فكرتُ مبارشةً في صحف أمثال “الهدى”، “كوكب أمريكا”، “الفنون” و”السائح” التي أصدرت في آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لأن هذه الصحف تأسّست في مدن أمريكية ( في مدينة نيويورك غالبا ) لخدمة الجالية العربية في المهجر. دهشت بتشابه المضمون بين الجرائد على الرغم من السنين الطويلة التي تفصلها. من هذا المضمون المشترك مقالات عن تحديات التأقلم داخل مجتمع جديد، إرشادات مفيدة تخص الجالية العربية، مقاطع شعرية جميلة ومقالات مفعمة بمعلومات تاريخية وذكريات من البلاد الأصلية لكتابها. والجديد بالذكر أن الرغبة في إصدار جريدة تساعد الناطقين بالعربية على التأقلم مازالت قائمة اليوم، وهذه الجرائد إما تاريخياً وفي يومنا هذا تعطي الجالية العربية مجال واسع للتعبير عن أنفسهم وإبراز مهاراتهم، سواء في ١٩٠٠ أو ٢٠٢٠
أنا أدرّس اللغة العربية والأدب العربي في كلية “سوارثمور” التي تبعد عشرين ميلا عن وسط مدينة فيلادلفيا. بحثي الأكاديمي الحالي يركز على المهجر بمعناها كجالية تاريخية وأدبية في بداية القرن العشرين. كان محط اهتمامي لفترة قصيرة أعمال الكاتب السوري عبد المسيح حداد الذي هاجر الى أمريكا في بداية القرن العشرين حيث أسّس صحيفة “السائح” في ١٩١٢ وواصل تحقيقها لأكثر من خمسين سنة في مدينة نيويورك. كان عبد المسيح حداد من الأعضاء المؤسسين للرابطة القلمية التي شجعت على التجديد والإنعاش في الأدب العربي. رغم من أنه غير معروف بالمقارنة للشهرة التي حققها رفقائه أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، شارك حداد في هذه الموجة الأدبية المهجرية بكتابة قصص قصيرة استثنائية بالنسبة لزمنه. جُمّعت هذه القصص في كتاب اسمه “حكايات المهجر” ومعظمها ظريفة جدا. بالإضافة إلى ظرافة هذه المجموعة من القصص حداد أدخل عبرا تعليمية كثيرة في القصص وهذه العبر أبرزت صعوبة الحياة في المهجر وتضمنت نصائح كامنة لتخطي هذه الصعوبات. روح التثقيف ومساعدة الآخرين قوية في قصص حداد، كما أرى نفس الروح في هذه الجريدة الجديدة في مدينة فيلادلفيا
فلنترك المهجر كما هو معروف تاريخيا لننظر إلى يومنا هذا. قادني بحثي عن المهجر وجرائده وأدبه الى الحاضر والواقع المعاش للجالية العربية القادمة حديثاً إلى أمريكا. كأكاديمي أمريكي تعلم العربية في الجامعة والدراسة العليا لا أعرف بالضبط لماذا جذّب اهتمامي أدب المهجر، لكن على سبيل التخمين، ربما لاني لا أتعلم منه دروسا من التاريخ العربي وأدبه فحسب، بل أتعلم دروسا عن أمريكا وتاريخها من وجهة نظر جالية عربية قدمت إليها واكتشفتها بعيون جديدة. قصص المهجر من الماضي المهجري وقصص اللجوء وإعادة التوطين اليوم تعطيني وتعطي طلابي نظرة ثاقبة بشأن التحديات التي تواجهها الجالية العربية في المحيط الأمريكي علاوة على منظور جميل في الفرح والابتهاج عند تخطي التحديات. القصص الخيالية من الأدب أو الحقيقية من أفواه العرب القادمين حديثاً إلى الولايات المتحدة هي أيضاً قصص أمريكية بالامتياز. يمكن لأي أمريكي أن يستفيد منها لأنه سوف يتعلم عن بلده من وجهة نظر أخرى. وهذا الفعل يساعدني وطلابي الأمريكيين في التعاطف مع الآخرين وإعادة النظر مؤسساتنا وسياستنا والصور النمطية المتواجدة عندنا.
.أنتظر الطبعات القادمة من هذه الجريدة وأعتبرها عنصرا مهما في حوار مستمرّ عبر أكثر من ١٢٠ سنة ضمن الجالية العربية نفسها وبين هذه الجالية وبلد المهجر امريكا
بنجامين سميث-