
كثيرة هي القذائف التي أُطلقت أثناء حرب العراق عام 2003، والتي كان لها الأثر الكبير في تدمير معظم المؤسسات والمنشآت العراقية، العسكرية منها والمدنية، بالإضافة إلى ما سببته من خسائر بشرية. تلك الحرب التي يسميها البعض حرب احتلال العراق، ويسميها البعض الآخر حرب تحرير العراق
لكن هناك قذيفة أُطلقت باتجاه بوابة المتحف الوطني العراقي في بغداد، تركت أثرًا سلبيًا في ذاكرة كل عراقي كان يمتلك عقلًا ووعيًا وإدراكًا لما كان يحدث في تلك الأيام. ومما طُبع في ذاكرتي أنني كنت مارًّا من أمام تلك البوابة بعد أيام قليلة من انتهاء العمليات العسكرية، فأثارت انتباهي تلك الفتحة التي توسطت بوابة المتحف نتيجةً لتلك القذيفة. بتركيز دقيق، ربما أراد من أطلقها أن يرسل رسالة معينة لمن يشاهد أثرها بعد ذلك
تزاحمت في ذهني الكثير من التساؤلات عن سبب إطلاق تلك القذيفة، فالجميع يعرف أن هذه البوابة هي بوابة المتحف الوطني العراقي، وليست بوابة لموقع عسكري أو قصر من قصور أزلام النظام الدكتاتوري. هذا المتحف الذي يحوي معظم آثار أسلافنا وحضارتهم، التي كانت من أولى الحضارات الإنسانية
ومن بين تلك التساؤلات: هل من أعطى الأمر بإطلاق تلك القذيفة يجهل ما يمثله هذا المتحف من قيمة في نفوس العراقيين، لما يحويه من آثار قيمة تركها أسلافهم في مختلف الحقب التاريخية؟ فإذا كان من أعطى الأمر بإطلاق تلك القذيفة هو من طواقم القوات الأمريكية، فحينها كنت أعتقد أنهم يجهلون ماهية حضارة بلاد ما بين النهرين، وما قدمته للبشرية جمعاء
لكن بعد هجرتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تبدد هذا الاعتقاد لدي، فقد وجدت الكثير من أبناء الشعب الأمريكي، وفي مختلف المستويات، يعرفون حضارة بلادنا بنسب متفاوتة، لذلك استبعدت أن يكون مطلقها يجهل ذلك
إذًا، لماذا صدر هذا الأمر؟ وماذا كان الهدف من ورائه؟
ومن بين الشكوك التي خطرت ببالي حينها، أن تكون تلك القذيفة قد أُطلقت من قِبل الذين كانوا يدافعون عن النظام، الذين جندهم النظام نفسه، ومن بينهم عدد من العرب الذين أسماهم بـ(فدائيي صدام)، الذين استمروا في القتال حتى الساعات الأخيرة من احتضار النظام وسقوطه. فأراد هؤلاء أن يرسلوا رسالة للشعب العراقي بأن قوات التحالف الدولي جاءت لتدمير العراق بكل ما يحتويه، ومنها آثار الأسلاف التي يضمها المتحف العراقي. وبهذا يكونون قد خلطوا الأوراق وعكسوا المشهد، وهذا ما كان يبغيه النظام السابق
وقد قامت إحدى الوكالات الإخبارية بنشر صورة فوتوغرافية لتلك البوابة، وقد بقيت تلك الصورة محفورة في الذاكرة. وبما أنني هاوٍ للرسم، قمت بتجسيدها في لوحة أنشرها ضمن المقال… يتبع
اﻟﻜﺎﺗﺐ: ﻋﲇ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﺒﻴﺪي–