
يعد كتاب الجامع الكبير من الكتب التي لها مرتبة التقدم بين كتب الأدب العربي لأنه من الكتب التي تفردت في صناعة الشعر وتأليف الكلام المنظوم وصاحب هذا الكتاب من العلماء البارزين في هذا المجال . وجاء في ترجمته : ابن الأثير صاحب كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر والمعروف بابن الأثير الكاتب (558 – 637هـ / 1163 – 1239م). نسبه هو أبو الفتح نصر الله ضياء الدين بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشّيباني، المعروف بابن الأثير، الجزريّ، الموصليّ. ولضياء الدين أخوان نابهان عالمان، هما: مجد الدين أبو السعادات المبارك (544 – 606هـ / 1150 – 1210م)، صاحب كتاب “جامع الأصول في أحاديث الرسول،” و”النهاية في غريب الحديث والأثر،” وأبو الحسن علي الملقب عز الدين ابن الأثير (555 – 630هـ / 1160 – 1233م)، صاحب كتاب “الكامل في التاريخ،” وكان الإخوة الثلاثة فضلاء نجباء رؤساء. مولده ولد ضياء الدين بن الأثير في يوم الخميس العشرين من شعبان عام 558هـ / 1163م؛ بجزيرة ابن عمر. وجزيرة ابن عمر على ما يقول ياقوت الحموي – معاصر أبناء الأثير الثلاثة: “بلدة فوق الموصل، بينهما ثلاثة أيام، ولها رستاق مخصب واسع الخيرات، وأحسب أن أول من عمرها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي، وكانت له إمرة بالجزيرة وذكر، قرابة سنة 250هـ، وهذه الجزيرة تحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال؛ ثم عمل هناك خندق أجري فيه الماء، ونصبت عليه رحى فأحاط بها الماء من جميع جوانبها بهذا الخندق”. لقد تضمن كتاب الجامع الكبير مقدمة شرح فيها سبب تاليف الكتاب قائلا ( فشرعت في تطلّبه، والبحث عن تصانيفه وكتبه ، فلم أترك في تحصيله سبيلاً إلا نهجته ، ولا غادرت بابا إلا ولجته. وكان بعد أن تكشفت له أقوال الأئمة المشهورين في هذا العلم التي بينوها في تصانيفهم وأوضحوها . وقد قسم كتابه إلى أبوابٍ كثيرة سنستعرض منها أهم ما تكلم فيه عن الشعر وعن صفات الشاعر وكيفية تطوير ملكة النظم في هذا المجال ففي الباب الأول ذكر أهم آلات التأليف وهي الموهبة والرغبة في تعلم هذا الفن وبدونها لا يمكن أن يتعلم الشاعر هذا الفن ولا يستطيع الابداع فية ما لم تتوفر فيه الصفات المذكورة، وعليه أن يتعلم مختلف علوم الأدب من نحو وتصريف وبلاغة وغيرها، وان يكون ملماً بجميع آلات التأليف نظماً ونثراً مثل علم العَروض والقافية. وبذلك تستقيم معاني الكلام وتحفظ من الخلل . وفي الباب الثاني تطرق الى المعاني التي هي عماد الألفاظ، وقال: (واللفظ زينة المعنى . والمعاني بمنزلة الأرواح والألفاظ بمنزلة الأجساد، فاول ما يجب على المتكلم أن لا يؤلف كلامه من ألفاظ رديئة. ثم إن ألفه من الفاظ جيدة حسنة ، فانه لا يكون لها مزية ورونق إلا بايداعها معنى شريفاً واضحاً، لأن الألفاظ لا تراد لنفسها ، وانما تُجْعَل أدلة على المعاني)أهـ. وفي الباب الثالث يحث المتعلمين من الموهوبين الإطلاع على مؤلفات المشاهير ويكلفون أنفسم عمل أعمالاً مثلها أو ما هو في معناها وهذا يقوي القدرة على معرفة المعاني واستخدام المفردات اللغوية وتجويد النظم الشعري وفي الباب الرابع تكلم المؤلف عن الحقيقة والمجازوضرب لها أمثلة توضح أهميتها وطريقة استخدامها في التعبير لانها تزيد اللغة اتساعا وتعطي التعبير أكثر عمقاً وقال في ذلك :(واعلم إنما يعدل عن الحقيقة الى المجاز لمعان ثلاث وهي : الإتساع والتشبيه والتوكيد، فان عدمت هذه الأصناف كانت الحقيقة البتة). وتكلم عن الكلام المنثور وتفضيله على المنظوم وفيه الكلام على الألفاظ المفردة والفرق بين الجيد منها والردئ. وقسمها الى ستة أنواع :
١ – تباعد مخارج الحروف .
٢ – أن لا تكون الكلمة وحشية .
٣ – أن لا تكون الكلمة مبتذلة بين العامة.
٤ – أن لا تكون عبر بها عن معنى يُكره.
٥ – أن تكون مصغرة في موضع يُعبر بها عن شئ لطيف أو خفي.
٦ – أن تكون مؤلفة من أقل الأوزان تركيبا.
وكانت هذه الشذرات من هذا الكتاب الحافل بالدرر العلمية المفيدة التي لا يمكن الإستغناء عنها وكلها دلائل تقود الشاعر ليتلمس طريق الصواب في تحصيل هذا الفن الشريف ، تجدها في صفحات هذا الكتاب . وجاء التعريف بهذا الكتاب لكي يستفيد منه الشعراء والادباء وكل من يتخذ من الكتابة مجالا لعملة وتحقيق موهبته في مختلف المجالات الأدبية يضاف الى ذلك كتابه المثل السائر وكتابه الوشي المرقوم في حل المنظوم والبرهان في علم البيان وغيرها من المؤلفات المهمة التي رفدت المكتبة العربية بكنوز لا تقدر بثمن
تأليف ضياء الدين بن الأثير الجزري
بقلم علي محمد العبيدي