نُشر في | Posted on: 11 May 2020 نُشر بواسطة - Posted by: admin تعليقات - Comments: 0

حين يذكر الشاعر ابو الطيب المتنبي يذكر العراق وحين يذكر العراق تذكر بغداد وحين تذكر بغداد يذكر شارع المتنبي كأحد معالمها الثقافية.

هذا الشارع الواقع في قلب بغداد وفي جانب الرصافة منها والممتد بين شارع الرشيد وضفاف نهر دجلة حيث يعود تاريخه الى العصر العباسي واشتهر منذ ذلك الزمان بازدهار مكتبته واحتضانه لأهم دور النشر الثقافية، وظل الى اليوم مصدراً رئيسياً للباحثين حيث يجدون فيه كل ما يبحثون عنه من مصادر لأبحاثهم.

كان هذا الشارع يعرف سابقاً درب “زاخا” حتى العام ١٩٣٢ في عهد ملك العراق فيصل الأول أُطلق عليه اسم شارع المتنبي تخليداً لشاعر الحكمة والشجاعة أبو الطيب المتنبي.

لقد كنت محظوظاً حين عملت في هذا الشارع بائعاً للكتب للفترة منذ عام ١٩٩٥ لغاية ٢٠٠٤ فاختزنت في ذاكرتي الكثير من الذكريات الجميلة عن هذا الشارع. كان ولا يزال يوم الجمعة من كل أسبوع يمثل ذروة نشاط هذا الشارع، فترى الباعة ينشرون كتبهم على جانبي الشارع متلاصقين، وترى الجمهور منذ ساعات الصباح الأولى يتزاحمون وكل يبحث عن ضالته.

فكنت أشاهد المتبضع محتضناً كتاباً أو مجموعة من الكتب وعلى وجهه علامات الرضا والسرور وكأنه قد فاز بجائزة قيمة وهو خارج من الشارع مبتعداً عن زحمته.

لازالت تصدح في سمعي أصوات الباعة العذبة وهم يعلنون عن أسماء الكتب الجديدة التي يعرضونها ومنها ترنيمات البائع أبو ربيع الشطري معلناً عما لديه من جديد ويختمها بعبارة “وخير جليس في الزمان كتاب”.

ولهذا الشارع ميزة أخرى حيث يقع في أحد أركانه مقهى الشابندر الشهير والذي يعتبر منتدى ثقافياً والذي يرتاده أعلام الثقافة والفن في العراق وأتذكر أنني كنت حريصاً في كل يوم جمعة على ارتيادي لهذا المقهى بعد انتهاء فترة عملي في السوق لأكون بين هؤلاء النخبة ليضاف إلى مخزوني المعرفي شيء مما يدور بينهم من نقاشات وحوارات ثقافية.

لشارع المتنبي الأثر الكبير في نشر الوعي لدى الناس ومنه الوعي السياسي حيث ومما تحفظه ذاكرتي من ذكريات لما شهده هذا الشارع في ظل الحكم الدكتاتوري السابق في العراق حيث كنا نرصد أجهزة النظام الأمنية والاستخبارية وهي تجوب الشارع بحثاً عن كل ما يصدر من مؤلفات ومنشورات تمس النظام السابق ورموزه لتطارد وتعتقل كل من يبيع ويتداول هذه المنشورات لأنه كان عارفاً لأثر الكلمة في اهتزاز نظامه.

وإلى الآن فإن لهذا الشارع الأثر الكبير في رصد فساد وقمع النظام الحالي في العراق حيث كانت بوادر الشرارة الأولى من التظاهرات التي تحدث الآن في العراق قد انبثقت من هذا الشارع ومن خلال مثقفيه منادياً بتغيير هذا النظام الفاسد.

وهكذا هي بغداد وشارعها الثقافي كانت ولا زالت مصدر إشعاع ثقافي وحضاري رغم كل الظروف التي مرت بها.

-محمد العراقي

-صورة شارع المتنبي من المصور بكري مجاهد

Leave a Comment / اترك تعليقاً